تفاصيل القصة
العودة إلى قائمة القصص
حكاية التاجر والمرآة القديمة

حكاية التاجر والمرآة القديمة

بواسطة: Abodi

في مدينة بعيدة عند أطراف الصحراء، كان يعيش تاجر مشهور بالغنى، اسمه سالم.
يمتلك المتاجر، والخدم، والبيوت الواسعة، لكن شيئاً واحداً كان ينقصه:
كان قلبه دائمَ التذمّر، لا يرى نعمةً ولا يشكر، ولا يسمع نصيحةً ولا يعتبر.

كان سالم يلوم الدنيا على كل شيء؛
إن خسر صفقة قال: “الحظ سيء”،
وإن تأخر عليه خادم قال: “الناس تغيّرت”،
وإن مرض أحد أولاده قال: “الحياة ظالمة”.

وكان حوله فقراء وبسطاء يبتسمون رغم ضيق عيشهم، فيزداد غيظه ويقول:

"كيف يبتسمون وهم لا يملكون شيئاً، وأنا أملك كل شيء ولا أجد راحة؟!"

في يوم من الأيام، سمع سالم بوجود حكيمٍ يعيش في قرية صغيرة بين الجبال،
يأتيه الناس من أماكن بعيدة ليستشيروْه في أمور حياتهم.
فقرّر التاجر أن يزوره، لا حبّاً في الحكمة، بل لأنه أراد أن يعرف
لماذا هو تعيس رغم ثروته.

سافر سالم أيّاماً، حتى وصل إلى القرية.
دخل بيت الحكيم فوجد بيتاً صغيراً جداً؛
جداراً من طين، وسقفاً من خشب النخل،
وحصيراً قديماً مفروشاً على الأرض، وحول الجدار رفوفٌ عليها كتب،
وفي الزاوية مرآة قديمة يغطيها الغبار.

تعجّب سالم وقال بسخرية:

"أأنت الحكيم الذي يتحدّث عنه الناس؟! بيتك فقيرٌ جداً،
كيف تعلّمني السعادة وأنت لا تملك شيئاً؟"

ابتسم الحكيم وقال بهدوء:

"اجلس يا سالم، ففي هذه الغرفة ما هو أغلى من الذهب."

جلس سالم مضطراً، وهو يردّد في نفسه:
“ما أغرب هؤلاء الحكماء، يعيشون في الفقر ويزعمون أنّ عندهم أسرار السعادة!”

بعد صمتٍ قصير، قام الحكيم واتجه إلى المرآة القديمة، ومسح الغبار عنها،
ثم وضعها أمام التاجر وقال:

"اقترب وانظر داخل هذه المرآة، لكن لا تتحدّث… فقط انظر."

اقترب سالم، ونظر إلى المرآة.
كان يتوقّع أن يرى صورته كما هو معتاد، لكنه رأى أكثر من ذلك؛
رأى رجلاً متجهّم الوجه، عابس العينين، يمسك بيدٍ ذهباً
وباليد الأخرى يشير إلى الآخرين باحتقار.

شعر سالم بعدم الارتياح وقال:

"هذه مجرد مرآة عادية."

قال الحكيم:

"نعم، لكنها تعكس ما في القلب قبل أن تعكس ملامح الوجه.
أخبرني يا سالم… ماذا ترى؟"

تردّد سالم قليلاً ثم قال:

"أرى رجلاً لا يعجبه شيء."

هزّ الحكيم رأسه وقال:

"هذا الرجل هو أنت، يا سالم.
الغنى الذي في يدك لا يغيّر شيئاً من الفقر الذي في قلبك."

سكت التاجر، وشعر لأول مرة أن الكلمات أصابته في أعمق نقطة.
لكن كبرياءه منعه من الاعتراف، فقال مدافعاً عن نفسه:

"أنا لست فقيراً، لدي من المال ما يكفي لعشرات السنين."

ابتسم الحكيم وقال:

"الفقر ليس دائماً في الجيب، بل في النظرة إلى الحياة.
تعال سأريك شيئاً آخر."

فتح الحكيم نافذة صغيرة تطلّ على القرية، وقال لسالم:

"انظر من هنا."

نظر سالم، فرأى طفلاً صغيراً يساعد أمّه في حمل الماء،
ورجلاً عجوزاً يبتسم وهو يصلح نعله بيده،
وامرأةً تخبز الخبز لجيرانها الفقراء، وأطفالاً يضحكون ويلعبون
بكرةٍ صنعوها من القماش القديم.

قال الحكيم:

"أرأيت؟ هؤلاء لا يملكون ما تملك، لكنهم يشكرون على ما عندهم.
أنت تنظر إلى النقص في حياتك فيكبر في عينيك،
وهم ينظرون إلى ما بقي لهم لا إلى ما فاتهم."

تأثر سالم قليلاً، لكنّه ما زال يحاول التمسّك بعذره:

"وماذا تفيدني ابتسامة طفل أو خبز امرأة؟ أنا تاجر، أحتاج الأرباح!"

قال الحكيم:

"وهل الأرباح وحدها تعمّر القلب؟
سأقصّ عليك شيئاً:
في طفولتي كنت أملك ثوباً واحداً،
وكانت أمّي تغسله لي ليلاً لألبسه صباحاً.
لم نكن نملك بيتاً كبيراً ولا طعاماً كثيراً،
لكنّي كنت أنام وأنا أشعر أن الدنيا كاملة؛
لأن أمّي كانت تقول لي قبل النوم:
“من شكر القليل، رأى الكثير.”
فتعلمت أن أرى النعمة في كوب الماء، وفي لقمة الخبز،
وفي ضحكة من أحب."

ثم التفت إلى المرآة مرة أخرى وقال:

"المشكلة ليست في الدنيا يا سالم،
المشكلة في المرآة التي تنظر بها إلى الدنيا.
إن كانت مكسورة، شوّهت كل شيء."

جلس سالم صامتاً طويلاً، وبدأت صور حياته تمرّ أمام عينيه؛
أيام غضبه على أولاده لأتفه سبب،
واحتقاره للعمال الذين يعملون عنده،
وعدم رضاه بأيّ ربحٍ يحقّقه.

شعر بشيء يشبه الغصّة في حلقه، وقال بصوت خافت:

"وكيف أصلح هذه المرآة يا حكيم؟"

ابتسم الحكيم في حنانٍ يشبه حنان الأب وقال:

"ابدأ من اليوم بثلاثة أمور:

احمد الله كل صباح على ثلاث نِعَم في حياتك، ولو كانت صغيرة.

قل كلمة طيبة لشخص واحد على الأقل كل يوم:
لخادم، لابنك، لزوجتك، حتى لبائعٍ في السوق.

اعطِ من مالك شيئاً لا تنتظر أن يعود إليك؛
صدقةً لفقير أو مساعدةً لمحتاج."

ثم أضاف:

"كلما فعلت ذلك، تلمّعت مرآة قلبك،
حتى يأتي يوم تنظر فيه إلى نفس المرآة فلا ترى وجهاً عابساً،
بل ترى رجلاً يشكر ربّه، فيزداد غنى فوق غناه."

عاد سالم من رحلته وهو يفكّر في كل كلمة قالها الحكيم.
وفي اليوم الأول، وقف أمام نافذة بيته الكبير،
ورأى الشمس تشرق فوق المدينة،
فقال بخجلٍ لم يعتده:

"الحمد لله على بيتٍ يؤويني،
وعلى أولادٍ يحيطون بي،
وعلى نفسٍ جديد في هذا الصباح."

ثم نادى خادمه وقال له بابتسامة صادقة:

"شكراً لأنك تساعدني كل يوم."

تفاجأ الخادم من هذه الكلمة البسيطة، لكنه ابتسم من قلبه،
وشعر سالم أن شيئاً دافئاً يتحرّك في صدره.

ومضت الأيام…
كلّما طبّق سالم ما قاله الحكيم، شعر بأن المرآة القديمة في قلبه تُصلَح،
حتى صار ينام بقلبٍ أهدأ، ويستيقظ بوجهٍ ألين،
وأدرك أخيراً أن السعادة لم تكن بعيداً عنه،
بل كانت تنتظر أن يغيّر نظرة قلبه فقط.

العِبرة:

من أراد أن تتغيّر حياته، فليغيّر أولاً المرآة التي يرى بها نفسه والعالم.
السعادة تبدأ من الداخل، من قلبٍ يرضى ويشكر،
لا من ذهبٍ يملأ اليدين ولا يملأ الروح.