أحد عظماء الأمة الإسلامية، الذين طأطأ الروم رؤوسهم له، وأحنوا هاماتهم رهبة منه، ذلكم هو الخليفة المجاهد هارون الرشيد، أبو جعفر بن المهدي محمد بن المنصور عبد الله بن محمد بن علي ابن عبد الله بن العباس، المولود حوالي 763م، وهو الخليفة العباسي الخامس، ويعد أشهر الخلفاء العباسيين
حكم بين 786 و 809م، قال عنه ابن خلكان في كتابه وفيات الأعيان: "كان هارون الرشيد من أنبل الخلفاء، وأحشم الملوك، ذا حج وجهاد وغزو وشجاعة ورأي"، فأما عن عبادته، فقد ذكر الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد: "وحكى بعض أصحابه أنه كان يصلي في كل يوم مئة ركعة إلى أن فارق الدنيا، إلا أن يعرض له علة، وكان يتصدق في كل يوم من صلب ماله بألف درهم
وكان إذا حج أحج معه مئة من الفقهاء وأبنائهم، وإذا لم يحج أحج في كل سنة ثلاثمائة رجل بالنفقة السابغة والكسوة الظاهرة".[٥] وقد كان هارون الرشيد كثير الغزو، مع أن العصر العباسي الأول لم يتميز بكثرة
الفتوحات لانشغال خلفائه بإخماد الثورات، والإصلاحات، لكنه كان حريصًا على الغزو والجهاد، وأما عند وفاته فلما سار يريد خراسان مَرّ بـ "طوس" فمرض بها، فقال لخادمه: ائتني بشيء من تربة هذه الأرض، فجاءه بتربة حمراء في يده، فلما رآها
قال: "والله هذه الكف التي رأيت، والتربة التي كانت فيها!" فأمر بحفر قبره في حياته، وأن تُقرأ فيه ختمة للقرآن تامة، وحُمِل حتى نظر إلى قبره فجعل يقول: إلى هنا تصير يا ابن آدم! وبكى، ثم قبض بعد ثلاث ليال.